اخر مواضيع المدونه

الثلاثاء، 26 مارس 2013

الخيال العلمي والتنبؤ بالمستقبل

" "



الخيال العلمي والتنبؤ بالمستقبل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الخيال العلمي من بين علوم الحاضر والمستقبل المهمة، التي تشهد حاليا اهتماما وانتشارا عالميا متزايدا، خاصة في الدول المتقدمة، وعلى الرغم من أن هناك جذورا عربية أصيلة لأدب الخيال العلمي، فإن عالمنا العربي لم يشهد بعدُ اهتماما مماثلا أو حتى متناسبا مع تلك الأهمية، فما زال يعتقد الكثيرون خطأ أن الخيال العلمي وسيلة ترفيه وتسلية، في حين أنه يعتبر الآن من أهم الوسائل التعليمية و
التربوية الحديثة والضرورية للإبداع والفكر وغرس حب العلوم لدى الأطفال، وإعداد العلماء والمبدعين في شتى مجالات العلم والمعرفة، والاستعداد لمواجهة صدمات وتحديات المستقبل. وقد أدركت الدول المتقدمة أهمية الخيال العلمي، فقامت بإدراجه ضمن برامج ومناهج الدراسة في المدارس والجامعات، والاهتمام به وبكتبه، الأمر الذي أدى إلى ذيوعه وانتشاره.

فإذا أردت التعرف، عن قرب، على أهمية ودور الخيال العلمي وكيف أثر في العلوم وأسهم في تغيير العالم، فما عليك سوى الذهاب إلى المكتبة البريطانية في لندن، التي افتتحت مؤخرا، وللجمهور بالمجان، معرضا للخيال العلمي، بعنوان: «خارج هذا العالم: خيال علمي ولكن ليس كما تعرفه»، والذي يستمر حتى 25 سبتمبر (أيلول) المقبل، ومن خلال المعرض سوف تستكشف الكثير من التصورات والتنبؤات التي أثارت وداعبت فكر وخيال وآمال وأحلام أدباء وكتاب الخيال العلمي، التي أصبحت اليوم حقائق علمية واقعة، وغيرها من الأفكار والخيالات التي سوف تشكل رؤى المستقبل القريب ولا تزال اليوم محل تجارب علمية في الكثير من مختبرات ومراكز البحوث العالمية، التي تشهد جميعها بقيمة وأهمية الخيال العلمي في استشراف آفاق الحاضر والمستقبل، كما ستشاهد الطبعات الأولى والرسومات والتصميمات والأغلفة لأكثر من 200 من روايات وقصص وكتب الخيال العلمي الرائدة التي غيرت وشكلت العالم وتاريخ الفكر الإنساني ولا تزال، مثل يوتوبيا توماس مور وأعمال ماري شيلي وجول فيرن وإتش. جي. ويلز وجورج أورويل.

وأنت تتجول في معرض الخيال العلمي، سوف تسرح بخيالك عبر رؤى ماضي الخيال العلمي وحاضره ومستقبله، ليتأكد لك في النهاية القيمة والأهمية الجادة لهذا الأدب، وعلاقته الوثيقة بالعلم، وأن كتاب الخيال العلمي هم بالفعل عيون البشرية نحو المستقبل.

يعتبر المعرض تاريخا مدهشا لأدب الخيال العلمي الذي يعود إلى ألفي عام مضت، ومنذ المحاولات المبكرة لكتابته التي ترجع إلى الفيلسوف والخطيب والمحامي السوري لوسيان، الذي ألف في القرن الثاني الميلادي كتابا بعنوان «تاريخ حقيقي أو قصة حقيقية» (True History or True Story) الذي جسد فيه حلم الإنسان للسفر للفضاء الخارجي، والذي يعتبر من أولى المحاولات القصصية لكتابة الخيال العلمي، وفي المعرض سوف تشاهد غلاف العدد الأول من مجلة الخيال العلمي الأميركية بعنوان «قصص مدهشة» في أبريل (نيسان) 1926، التي كان يحررها كاتب الخيال العلمي والناشر والمخترع الأميركي هوغو غيرنسباك (1884 - 1967)، الذي يرجع إليه فضل ابتكار مصطلح الخيال العلمي (Science Fiction) في عام 1929، والذي كان يطلق عليه «Scientifiction» في العدد الأول من هذه المجلة. وقد كتب غيرنسباك عام 1911، رواية بعنوان «Ralph 124C41+» تنبأ ووصف فيها الكثير من مفاهيم تكنولوجيا الحياة الحديثة مثل التلفزيون، والريموت كنترول، وشرائط التسجيل، والرادار، ورحلات الفضاء.

في رواية بعنوان «الموعد النهائي» (Deadline) عام 1944، لكاتب الخيال العلمي الأميركي كليف كارتميل (1908 - 1964)، التي تنبأ فيها باختراع القنبلة الذرية، تصور فيها أنه يمكن اختراع قنبلة ذرية تنفجر بقوة شديدة، ويمكنها أن تنهي الحرب العالمية الثانية، وقد بلغت هذه الرواية من الدقة في تفصيلاتها العلمية ما جعل جهاز التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي)، يشك في أن الكاتب قد تسلل إلى المعلومات السرية الخاصة بصناعة هذه القنبلة، ومرجع هذا الشك والحيرة أن الولايات المتحدة كانت في ذلك الوقت تقوم بصناعة القنبلة الذرية في جو من السرية التامة، لكن ثبت من التحقيقات أن الكاتب لم يطلع على أسرار صناعة القنبلة، وإنما كان ذلك نتيجة لأفكاره وخياله الخصب الذي ساعده في توقع ما حدث في عالم الواقع.

لقد لعب الخيال العلمي، وما زال، دورا مهما في تطور العلوم واكتشاف قوانين الطبيعة، فما بلغته البشرية في العصر الحالي من تقدم علمي وتكنولوجي مذهل كان في الكثير من جوانبه أحلاما وخيالات داخل عقل ووجدان الكثير من الأدباء والعلماء، فقد حاولوا بخيالهم الواعي والخصب استشراف آفاق المستقبل المجهولة وعوالمه المغلقة، التي كانت، للوهلة الأولى، مضادة لحقائق العلم الظاهرة، فمن كان يتوقع في أوائل الخمسينات أن يهبط الإنسان على سطح القمر، وأن يصبح السفر إلى الفضاء أمرا مألوفا؟ ومن كان يتوقع عندما قرأ رواية «آلة الزمن» عام 1895، لكاتب الخيال العلمي البريطاني الشهير إتش. جي. ويلز، أن يصبح السفر في الزمن قضية علمية يبحثها علماء الفيزياء ويجدون لها النظريات والمعادلات الرياضية؟ كما أن الكثير من الاكتشافات العلمية والتكنولوجية التي تحققت خلال النصف الثاني من القرن العشرين سبق التنبؤ بها في كتابات الخيال العلمي منذ أواخر القرن التاسع عشر، فلو نظرنا للكثير من مخترعات العصر وعلومه الحديثة، مثل أشعة الليزر والذكاء الصناعي والروبوتات والقنبلة الذرية وزراعة الأعضاء البشرية وأطفال الأنابيب والهندسة الوراثية والعلاج الجيني والاستنساخ والنانوتكنولوجي (التقنيات متناهية الصغر) وأقمار الاتصالات الصناعية والإنترنت والهواتف المحمولة، وغيرها، لوجدنا أن كل هذه الحقائق العلمية والاختراعات والاكتشافات التي نحياها اليوم كانت يوما ما خيالات تداعب أذهان الأدباء والعلماء، وسيظل الخيال العلمي يحث العلم والعلماء على مواصلة أعمالهم وإنجازاتهم لخدمة البشرية.

على سبيل المثال، كانت رواية «من الأرض إلى القمر» عام 1865 لكاتب الخيال العلمي الفرنسي الشهير جول فيرن، الأساس الذي حلق حوله علماء الفضاء في القرن العشرين، ولهذا يسميه العلماء متنبئ عصر الفضاء؛ فقد تنبأ فيها بالهبوط على سطح القمر، الذي تحقق بالفعل في 20 يوليو (تموز) عام 1969، ومن المدهش أن يحدث تطابق كبير بين ما جاء في هذه الرواية، وما حدث في الواقع. وحول ذلك يقول عالم الفضاء والجيولوجيا الدكتور فاروق الباز، في تقديمه لكتاب «الخيال العلمي وتنمية الإبداع»، الصادر عن ندوة الثقافة والعلوم بدبي عام 2006: «في أيام عملي في برنامج أبوللو لاستكشاف القمر، وأثناء العمل للإعداد لهذه الرحلات اطلع زميل على نسخة من رواية (من الأرض إلى القمر) لفيرن، وكانت هذه النسخة من أوائل الطبعات، وشملت على رسومات طلبها وحققها فيرن بنفسه، وعند دراستنا للرسوم هذه، اتضح أنها تقارب حقائق الأمر الواقع في الستينات. كان الأمر غريبا، فآثرت أن أناقشه مع مدير مشروع أبوللو، الذي قال لي: (كنا في الصغر نقرأ كتب جول فيرن، وأنا لا أستبعد أن الأشكال التي وردت في صفحاتها قد انطبعت في ذاكرتنا دون أن ندري، ولما حان الوقت لإعداد سفن أبوللو، انبثق كل ما كان مختفيا في تصميماتنا).. يمثل هذا أن الخيال العلمي للكاتب فيرن، قد أثر على تصميم مركبات أبوللو، ولأن الأشكال كانت متشابهة إلى حد كبير، أصدرت مجلة (لايف) الأميركية ألبوما للصور القديمة والحديثة معا، فالخيال العلمي إحدى صفات الإنسان المفكر الذي لا يكبح جماح عقله أي حدود، فالموهوب بالخيال العلمي يرى الكثير مما لا يراه الآخرون؛ لأنه ينظر خلف الستار أو ما بعد الأفق، كما أنه يقدم للقارئ آفاقا جديدة لا يتمكن الإنسان العادي من الوصول إليها».

ومن المؤسف أن ضرورة تنمية الخيال العلمي لا تراعى حق المراعاة في عالمنا العربي؛ فقد أظهرت نتائج دراسة ميدانية أعدها مكتب التربية العربي لدول الخليج، بعنوان «الخيال العلمي لدى أطفال دول الخليج العربية»، أن المؤسسات التربوية والثقافية والاجتماعية لا تسهم في تنمية الخيال العلمي، كما أن مناهج العلوم والمدارس لا تسهم أيضا في تنمية الخيال العلمي لدى التلاميذ، فالمناهج لا تحض على ممارسة التلاميذ لهذا النوع من التفكير الإبداعي، والأنشطة المدرسية تخلو - في غالب الأحيان - من تلك الممارسات التي تسهم في تنمية الخيال العلمي، ولا شك أن هذه النتائج تعتبر مؤشرا خطيرا في وقت ننادي ونطالب فيه بضرورة الكشف عن المبدعين والمتميزين ورعايتهم، خاصة في القرن الحالي، الذي يذخر بالتقدم العلمي والتكنولوجي المذهل.

0 comments:

كود تعليقات الفيسبوك مأخوذة من mybloggertricks.com تم تركيب تعليقات الفيسبوك من ma3lom4t.blogspot.com

إرسال تعليق